العنف ضد المرأة بين منظومة حقوق الذكور والمباركة المجتمعية

. . ليست هناك تعليقات:




الكاتبة الصحفية: نيروز عبد الكريم - السعودية -  " وكالة أخبار المرأة "
كان الأسبوع المنصرم حافل بأخبار حوادث الاعتداء والقتل ضد سيدات. وكأن ما تشهده منطقتنا العربية من توتر وعنف سياسي لا يكفي.
ففي خلال اسبوع واحد فقط، تداولت وسائل الإعلام حوادث عنف كانت بطلتها المرأة، والتي أسفرت عن قضية هزت المجتمع السعودي والتي تم خلالها اغتيال ندى القحطاني وإصابة زميلات لها، في مقتبل العمر، من قبل شقيقها بدافع مجهول تم الكشف عنه لاحقا بأنه كان تحت تأثير المخدر. إلى أن ننتهي إلى مشهد دامي لسيدة، وهي أم لأطفال، تعرضت للاعتداء بالضرب من قبل شقيقها مناشدة للجهات المختصة بإنقاذها.
في الواقع، الحديث هنا ليس لشن حرب ضد الرجل او للهجوم على كل ما هو ذكوري، إنما لعكس واقع اجتماعي ليس سائدا واكنه يتسيد في كثير من المشاهد الاجتماعية، لما له من تأثير عميق وسلبي وقاتل أحيانا، فمازلنا نفقد كل يوم أرواحا بريئة اما بدوافع جنائية مجهولة أو جرائم غير مبررة يرتكبها البعض تجاه الطرف الأضعف.
وفضلا عن ذلك، تتواتر على مسامعنا وشواهدنا العشرات من حوادث الاعتداء على مدار العام، متفوقة بذلك على عدد مناسبات اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة المقام في نوفمبر من كل عام.
وبرغم ما نشهده من تطور تكنولوجي وحضاري في مجتمعاتنا العربية، إلا أننا نظل أمام معضلة حقيقية الا وهي تشريع جرائم العنف تحت مسمى الشرف والتقويم (والتي غالبا ما تكون ذات أحكام مخففة) وتجيير دوافعها لصالح الجاني والذي غالبا ما يكون ذكرا إما اقترف جريمته تحت تأثير مخدر أو تحت وطأة شعور عميق بالنقص والذي أراد إشباعه بإثبات رجولة زائفة. وتصبح الصورة أكثر سوداوية عندما يكون الجاني مراهقا وقاصرا يُعطى مطلق السلطة بالتعنيف والإساءة بتشجيع ومباركة والدية أو أسرية أو مجتمعية.
ومن السخرية الصارخة، أنه غالبا ما يتم إتهام الضحية و التعرض لشرفها وأخلاقياتها إما بالقذف أو التشكيك في سلوكياتها مهما بلغت بشاعة الجريمة، أو يتم التطرق إلى تفاصيل تافهة كمظهر الضحية أو طريقة حجابها وغيرها من سفاسف الأمور التي لا تعني شيئا أمام جريمة بشعة كالقتل.
ولا يخفى على الجميع، أن قضية العنف ضد المرأة ذات جذور متأصلة انتجها واقعنا الإجتماعي الذي أقر ضمنيا منذ القدم على تكريس منظومة حقوق (غير مستحقة) وذات حرية مطلقة تعطى للذكر بالتصرف العدائي واستخدام منطق القوة تجاه الإناث بمختلف أشكال قرابتهن بدعوى "التقويم وتعديل السلوك" والذي يمكن أن يكون من بينه التعنيف اللفظي والمعنوي والضرب وحتى القتل.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل ساهمت الأنظمة والقوانين في هذا الشأن بحماية المتهمين باسم جرائم الشرف وتعنيف المحارم، حيث تم سن بنود مخففة، كثير منها لم يتم تعديلها ضمن قانون العقوبات في كثير من الدول العربية، حيث ساهمت كثيرا في تساهل وتمادي هؤلاء الجناة في ارتكاب مثل تلك الأفعال الشنيعة.
من جانب آخر، عمق النظام القبلي والطائفي والاجتماعي هذا الدور وجعل منه فعلا فخريا يطهر فاعليه من الخزي والعار ويؤكد على سلطة ذكورية (غير واعية أو مقننة). و يأتي الدور الأبوي ليكمل تلك الوتيرة من المعتقدات البالية، حيث يعمق الكثير من الآباء من سلطة أبنائهم على بناتهم داخل المنزل وخارجه بشكل سلبي وصارم. فيما يقوموا بالتنازل عن أدوارهم التقليدية بالتقويم كآباء وموجهين ويقلدوها لذكور هم أنفسهم بحاجة إلى التوجيه والإرشاد.
ولا ننسى دور الأمهات، الذي احيانا ما يلعب دورا كارثيا في مثل هذه القضايا، حيث تلجأ العديد منهن إلى تضخيم (الأنا) لدى أبنائهن الذكور على حساب فتياتهن، او على أقل تقدير التعامل مع تجاوزات الأبناء بسلبية او بدعم مواقفهم السلطوية. نظرا للتنشئة الاجتماعية السابقة لهن التي عمقت لديهن مفاهيم خاطئة والتي من بينها النظرة الدونية للأنثى، ولو كانت تلك النظرة تشملها أيضا.
فحتى نتفوق في علاج هذه المشكلة علينا أولا أن نتناول الجانب النفس- اجتماعي للمرأة، فهي مرجع حيوي والمسئول الأول في التنشئة، فكل ما تعتقده عن نفسها هو مرآة لقضايانا الإجتماعية. فالأم التي تنظر للأنثى نظرة دونية فهي بطبيعة الحال تمارس معتقداتها على أبنائها وبذلك ستساهم في تدمير جيل كامل من الذكور والإناث.
كما لا نستطيع إغفال قضايا العنف الزوجية والتي تستحوذ على نصيب الأسد في الإحصاءات والبحوث ومحاكم الأحوال الشخصية. والتي تمثل أحد أهم أسباب دعاوى الطلاق والخلع بداعي سوء المعاشرة الزوجية او سوء المعاملة.
ونتيجة لسوء استخدام السلطة يتزايد حجم الفجوة في الأسرة والتي قد تصبح قنبلة موقوتة مع مرور الوقت، حيثما يستخدم العنف غالبا ضد الطرف الأضعف ويمارس بشكل مفرط ويزداد عدائية مع الوقت. وهنا يصبح لدينا بالمحصلة (كارثة إجتماعية)، لاسيما إذا ارتبطت بتعاطي المخدرات أو الخمور.
وقضية العنف ضد المرأة لا تتوقف فقط على جندرية مطلقة، إنما تندرج ضمن عوامل تنشئة إجتماعية ومسوغات حقوقية وقانونية وجذور نفسية وإنسانية واقتصادية وثقافية أيضا. ومن الضروري أن لا نعزل تلك العوامل عن بعضها.
وفي ذات السياق، ليس هناك ما هو أدعى من اضطهاد للمرأة كبعض الموروثات الشعبية العربية، والتي تعمق من حجم الهوة بدلا من الهوية، وتهمش من هوية المرأة وتحجم إنسانيتها وذلك بحصرها في مسائل الشرف والعار والطاعة العمياء دون الأخذ بالاعتبار أن الأخلاق لا تنحصر على جنس دون الآخر وأنها تشمل الجميع رجالا واناثا.
فمن المؤسف أنه مازال هناك من يؤمن بأن الاعتداء بالضرب حلا وليس مشكلة، وأن القتل تطهير للعار وليس جريمة، وأن المرأة خلقت من ضلع أعوج بحاجة إلى تقويم. كما هناك من لايزال يردد تلك الأمثال البالية كخلع ضلع للبنت ينبت لها سبعة وعشرون ضلعا بدلا عنه. وقائمة الأمثال فهذا المضمار تطول.
وبالعودة إلى دور القوانين والإجراءات في مجتمعاتنا، نجد أن دائرة الخلاف حول العنف ضد المرأة والطفل تتسع، حيث تتحاشى العديد من الجهات العامة والرسمية تناول هذه القضية بشفافية وتتعامل معها كونها وصمة عار تلامس تلك الجهة بشكل مباشر، معرضة عن فكرة أن نصف علاج المشكلة هو مناقشتها والتطرق إلى تأثيرها بشكل منهجي.
والعجيب أن الكثير من الإدارات المخصصة لهذا الشأن تتعمد إخفاء الإحصاءات بخصوص هذه القضية أو تحوير الأرقام الحقيقية لحالات العنف التي تم استقبالها. وبمجرد وقوع قضية عنف تتنصل عن دورها اما بالإشارة بشكل سطحي ومبهم حول الحدث أو التكتم الشديد عليها.
وتزداد قضايا العنف ضبابية، مع إحجام نسبة كبيرة من الإناث عن اتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايتهن، أو بالتراجع عن إتمامهن للدعاوى القضائية إما بالتنازل أو بدافع الخوف من العواقب.
على كل حال، واقعنا الإجتماعي العصري مازال يتجاهل علاج الكثير من القضايا المتجذرة والتي تحتاج إلى علاج منهجي وتفاعلي من جميع الجهات المختصة الحكومية والقطاعات ذات المسئولية المجتمعية. فمواجهة مشكلاتنا الاجتماعية ومناقشتها بشفافية هي الطريق الأمثل لمواكبة أي تقدم حضاري نطمح له ولتحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية لابد من نفض آثار الرجعية المتعمقة. كما لا بد أن يتم سن قوانين عقوبات مشددة في إطار هذه القضية.
وإلى ذلك التاريخ، علينا أن نصلي بأن لا يهدر المزيد من دماء البريئات والأبرياء ممن يعانون من وطأة العنف في عالمنا العربي. وأن نأمل بأن تحفل أيامنا بالأمان الأسري عوضا عن حوادث الاعتداء المتكررة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

الدانة نيوز - احدث الاخبار

صفحة المقالات لابرز الكتاب

اخر اخبار الشبكة الاعلامية الرئيسية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها
كارثة افجار مرفأ يروت - غموض وفوضى سياسية - وضحايا - ومتهمين وشعب حزين

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي
الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي .. والتطورات المتعلقة به يوما بيوم

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة

السلايدر المتحرك الرئيسي مهم دا

حقوق الطبع والنشر محفوظة لمؤسسة نيوسيرفيس سنتر للاعلام والعلاقات العامة . يتم التشغيل بواسطة Blogger.