في مايو 2017، حين فاز إيمانويل ماكرون، وكان بعمر 39 عاماً، بمنصب الرئاسة في فرنسا، أصبحت بريجيت، وكانت بعمر 64 عاماً، سيدة فرنسا الأولى؛ ليكونا بذلك أول ثنائي خارج إطار المألوف يدخلان قصر الإليزيه لفارق السن الكبير بينهما.
بحسب ما تذكر وكالة "فرانس برس" كان إيمانويل فتى في الـخامسة عشرة من العمر حين التحق، عام 1993، بدروس المسرح في مدرسته بمدينة أميان شمالي فرنسا.
في هذه المدرسة كان ينتظره لقاء قلب حياته رأساً على عقب؛ إذ أغرم بمعلمة المسرح بريجيت، وكانت متزوجة وأماً لثلاثة أولاد، وتكبره بـ24 عاماً بالتمام والكمال.
في العام التالي كان في الصف الثاني الثانوي، حين تحدى المحرمات وأعلن لها عن حبه.
تروي زوجته المنحدرة من سلالة من صانعي الحلويات تحظى بالاحترام في أميان، أن ماكرون كان عمره سبعة عشر عاماً حين أعلن لها عن حبه قائلاً: "مهما فعلت، سوف أتزوجك".
وتشرح أيضاً، في وثائقي صور عن زوجها، أنه "لم يكن كسائر الشباب، لم يكن فتى (...) كنت مفتونة تماماً بذكاء ذلك الشاب"، مضيفة: "شيئاً فشيئاً هزم مقاومتي".
ارتأت عائلة الشاب أن ترسله إلى باريس سعياً منها لإخماد نار تلك العلاقة، فباشر دراسة جامعية ناجحة. لكن إيمانويل لم يبدل رأيه.
وقال في كتابه المعنون "ثورة": "كان يتملكني هاجس، فكرة ثابتة، أن أحيا الحياة التي اخترت مع المرأة التي أحببت. أن أبذل كل ما بوسعي لتحقيق ذلك".
وتمكن من تحقيق هدفه في أكتوبر 2007، فتزوج حبيبته. وكتب مشيداً بشجاعة زوجته: "كان ذلك التكريس الرسمي لحب بدأ سراً، وغالباً ما كان خفياً، غير مفهوم من الكثيرين، قبل أن يفرض نفسه على الجميع".
قصة زواج ماكرون نالت اهتماماً عالمياً كبيراً نظراً للفارق العمري بينه وبين زوجته، على الرغم من شرعية هذا الزواج.
في حين أن زواج رئيسة وزراء آيسلندا يوهانا سيجوردادتير من صديقتها يونينا ليوسدوتير، وزواج رئيس وزراء لوكسمبورغ كزافيه بيتيل من صديقه غوتيه دستيناي، وهي زيجات غير شرعية دينياً، لم تسلط عليها وسائل الإعلام الكبيرة الأضواء مثلما فعلت مع زواج ماكرون الشرعي.
السبب، بحسب مختصين، هو أن الصورة التي يشاهدها الناس لها تأثير بالغ في مثل هذه الحالات على ردود فعلهم.
فالرئيس ماكرون شاب وسيم، في حين أن هيئة زوجته تشير إلى أنها سيدة كبيرة في السن، حيث التجاعيد تنتشر في وجهها مع وجود انحاءة في ظهرها تدل على تقدم بالسن، وهو ما ذهبت إليه الباحثة الاجتماعية رجاء العلي.
ظروف وأسباب
وينظر كثير من المجتمعات إلى زواج الرجل بامرأة تكبره في السن، بشكل مختلف يشوبه الرفض والاستغراب، خلاف أن يكون الرجل هو الذي يكبر زوجته.
في حديثها لـ"الخليج أونلاين" تقول الباحثة الاجتماعية رجاء العلي: إن "هذا النوع من الزواج له ظروفه المختلفة التي يبنى عليها، من أبرزها ظروف زمانية ومكانية واقتصادية وعرفية ودينية".
وأشارت إلى أن "اختلاف المجتمعات بطباعها وتقاليدها وعاداتها وثقافاتها تحدد الخانة التي يصنف فيها هذا الزواج".
وترى أن المجتمع في الغرب "لا يأبه لمثل هذه الزيجات"، معتبرة ما أثير حول زواج ماكرون من استغراب "حالة خاصة لكونه شخصية مشهورة"، مضيفة: "لو كان ماكرون موظفاً عادياً أو شخصاً غير مشهور لما سلطت على زواجه هذه الهالة، وقد تلعب السياسة دورها في هذا الشأن".
وتابعت: "المجتمع الغربي لا يعترض على علاقات غير شرعية هي موجودة بكثرة، وينتج عنها أطفال، وهناك مشاهير يعيشون هذه الحالة، كما لا يعترض المجتمع الغربي على زواج المثليين، وعلى ممارسات عديدة ترفضها مجتمعات أخرى لا سيما مجتمعنا العربي المسلم".
فرق في نظرة الأجيال
أحمد عادل، شاب سوري، قبل تسعة أعوام تخرج في الجامعة وكانت قد نشأت علاقة حب بينه وبين موظفة في إدارة الجامعة تكبره بخمسة أعوام، يقول لـ"الخليج أونلاين" إنه اضطر إلى الامتثال لأمر والدته وأحجم عن التقدم لخطبتها.
وأضاف: "حاولت إقناع والدتي كثيراً، وكنت أضرب لها أمثلة كثيرة بزواجات ناجحة، وأن نبينا تزوج خديجة التي تكبره بالسن، لكنها دخلت في غيبوبة حين رأتني مصراً على زواجي، فاخترت رضاها على زواجي".
تقول الباحثة "العلي": "زمانياً نجد أن هناك اختلافاً في النظر إلى زواج الرجل بامرأة تكبره سناً داخل مجتمعنا العربي، ولو عدنا إلى عدة قرون قبل الآن نجد هذا النوع من الزواج أمراً طبيعياً، خاصة لمن يعيشون في البادية والمناطق غير الحضرية؛ نظراً لسهولة المعيشة وبساطتها".
وتابعت: "في ذلك الوقت كان الرجل يتزوج امرأة تكبره بالسن حتى بعشرة أعوام أو عشرين عاماً، ويتزوج أيضاً من مطلقة أو أرملة، بل يتزوج من أرملة أو مطلقة تكبره بالسن، ولا يعيبه المجتمع. وقد يتزوج من أكثر من امرأة بما يحلل له الشرع، وقبل الإسلام كانوا يفعلون هذا ويتزوجون ما أرادوا من النساء وبأعمار مختلفة".
وواصلت تقول: "بل إن الرجل المسن يتزوج بصغيرة من عمر أحفاده، ولا يعيبه المجتمع، وهي حالة لو درسناها جيداً نجد ضررها على الزوجة كبيراً جداً".
وأوضحت: "اليوم مجتمعنا العربي يختلف عنه في تلك الأزمنة، فقد أصبح يستغرب زواج رجل بامرأة تكبره حتى وإن كانت بشهور، بل يرى أن الزوجين إن كانا بعمر واحد أمر غير مناسب. وعليه؛ يجب أن يكون الرجل أكبر سناً، بحسب اعتقادهم".
وأشارت إلى أن "هذه الاختلافات سببها تغيّر في التقاليد والممارسات بما يخالف المنطق؛ فالمنطق هنا أن يتوافق الزوجان بالرأي ويشعران بأنهما متفاهمان بما يناسب أن يؤسسا شراكة زوجية ناجحة.
زواج اقتصادي
النظرة الشائعة في المجتمعات العربية أن الرجل يسعى للانتفاع من المرأة إن تزوجها وهي أكبر منه سناً، وقد ينتهي المطاف بهذا الزواج أن تخسر الزوجة ثروتها بعد أن يسلبها زوجها الشاب مالها أو عقاراً أو أي شيء ثمين، وقد يهجرها أو يطلقها.
لكن صلاح فاضل، وهو عراقي عمره 41 عاماً، يرفض أن يصنف ضمن هؤلاء الأزواج.
صلاح الذي تزوج قبل ثلاثة أعوام من امرأة تكبره بستة أعوام، وفضلاً عن فرق السن فإنها أرملة وأم لولد بعمر العاشرة، يقول إنه يبحث عن الاستقرار العاطفي والاجتماعي والاقتصادي.
وأضاف: "ليس لي مصدر دخل ثابت، ولا إمكانية لي للزواج. كان زواجي من جارتي حلاً مثالياً بالنسبة لنا، نعم هي تكبرني بالعمر وأرملة وأم لولد، لكنها خلوقة وجميلة وتملك منزلاً ومورد دخل جيداً، فوجدت الجوانب الإيجابية أكثر من السلبية في هذا الزواج".
وتتفق الباحثة الاجتماعية رجاء العلي مع أن كثيرين يتزوجون نساء تكبرهم سناً بدافع المنفعة، لكنها من جانب آخر تقول إنه "فرصة جيدة للقضاء على العنوسة، وعلى توفير فرصة عمل للزوج، أو منعه من البحث عن مصدر دخل غير مشروع".
ووفق قولها فإنه "على الرغم من قلة عدد الزيجات التي يكون فيها الرجل أصغر من المرأة بالمقارنة مع النوع الآخر حيث تكون الزوجة أصغر من الرجل، فإن تجارب عديدة على أرض الواقع، وهناك دراسات في هذا الشأن، تفيد بأن نسب نجاح النوع الأول أكثر من نسب نجاح النوع الثاني".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق