لقراءة البحث شامل نسخة pdf اضغط هنا
لقراءة البحث على الموقع المصدر اضغط هنا
دلال موسى
إنَّ الحديث عن واقع المرأة في سوق العمل في الخليج هو حديثٌ مُترع بالأسئلة، تتداخل فيه القضايا الاقتصادية والاجتماعية والتوجهات السياسية وحتى الدينية. ولكن لعلَّ بداية مؤاتية لدراسة هذا الواقع هي تلك التي خَطَّتها الإمارات العربية المتحدة في رؤيتها لعام 2021، وخَصَّت بها المرأة الإماراتية العاملة حين كتبت:
"إن احترام العادات والتقاليد الإماراتية يدعم الدور المتنامي للمرأة دعماً تامّاً، مما يجعلُنا نستمر في تمكين المرأة الإماراتية للمشاركة في المجالات كافة، كما تسنح فرص أكبر للمرأة لِتَجمع بين المشاركة النَشِطة في الحياة العَملية ونعمة الأمومة، وبهدف تحقيق هذه الأهداف السامية يجب أن تتمّ حماية المرأة من أشكال التمييز في العمل والمجتمع."
من جانب، تكشف هذه السطور القليلة عن استمرار تَرسُّخ بعض العادات والتقاليد في الإمارات (والخليج) حول دور المرأة في المنزل، والمُتَمثّل في عبارة "نعمة الأمومة" في هذه الفقرة، وما يتبعه من عوائق تُصَعِّب على المرأة الجمع بين الحياة العملية والمنزلية. من جانب آخر، تُعبر هذه السطور عن طموحات معظم دول الخليج في تعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل وضرورة حمايتها من التمييز.
لا تنفرد الإمارات وحدها بتخصيص جزء من رؤاها الوطنية للمرأة العاملة. فقد نصّت قطر في رؤيتها الوطنية لعام 2030، على سبيل المثال، على هدف "زيادة فرص العمل أمام المرأة القطرية ودعمها مهنياً"، إضافةً إلى "تمكينها من المشاركة الاقتصادية والسياسية وخاصة تلك المتعلقة بصنع القرار". وحتى الكويت، التي قد بدأت مشوارها في تعزيز مشاركة الكويتيات العملية والسياسية منذ عقود طويلة من الزمن، فقد ركزت مراراً وتكراراً في خططها الحكومية التنموية على تمكين المرأة الكويتية، خصوصاً فيما يتعلق بـ"صنع القرار".
لكن لماذا تَكترِث الدول برفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل أساساً؟
بعيداً عن الأسباب المُتَعلقة بحقوق الإنسان أو تلك التي تَعني بِمساواة المَرأة بالرجُل في فرص الحياة، فإن هدف تعزيز مشاركة المرأة في سوق العمل يرتكِزُ على أُسسٍ اقتصاديةٍ منطقية. أوَّلها هو أن النساء في جميع المجتمعات حول العالم يُشكَّلنَ نصف إجمالي السكان على الأقل. بناء على ذلك، فإن عدم اشتراك المرأة في سوق العمل والإنتاج الاقتصادي بشتى أشكاله يعني أن هذه الدول قد اختارت أن تتخلى عن نصف طاقتها الإنتاجية، وقَبِلت بنصف قدراتها فقط، خصوصاً حين تشهد هذه الدول النامية (ومنها الخليج) فَوْرة ديمغرافية مواتية تعلو فيها نسبة من هم في سن العمل مقارنة بالفئات العمرية الأخرى، وتنخفض فيها نسبة الإعالة الاقتصادية.[1]
السبب الثاني يكمن في ارتفاع مصروفات المعيشة بشكل عام في الدول النامية في مقابل ثبات الأجور (أو تدنيها في بعض البلدان)، مما يُحَتّم على المرأة الدخول في سوق العمل لرفع دخل الأسرة ورفع مستوى معيشتها. ثالثاً وأخيراً، إنَّ تمكين المرأة اقتصادياً لهُ دورٌ كبير في الحد من الفقر في المجتمع. فالمطلقات والأرامل على سبيل المثال اللاتي لا يعملن غالباً ما يُعانين من الفقر ويعتمِدنَ على أقربائهن وعلى الإعانات الاجتماعية، الأمر الذي قد لا يؤمن لهن ولأبنائهن الحياة الكريمة. لذلك فإنَّ رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل لا يقتصر فقط على الأسباب الاجتماعية، وإنما له دوافعٌ اقتصادية مهمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق