لم يمُرّ نضال المرأة في لبنان بلا عقبات، بل خاضَت تحديات كثيرة وحققت إنجازات اجتماعية وقانونية وسياسية واقتصادية عدة. فهل هناك ما يعوق تقدّمها اليوم؟
أدّت الحروب المتعاقبة والخضّات السياسية التي تعرّض لها لبنان ولا يزال الى تراجع قدرة المجتمع المدني. فالحقوق التي انتزعتها لجنة حقوق المرأة قبل عام 1975، خسرتها بعد انتهاء الحرب الأهلية وتجذّر الطائفية في النفوس، وأضحى العمل على مقاربة هذه المشكلة ومحاولة إزالتها مشكلة قائمة في حدّ ذاتها.
الثامن من آذار هو يوم المرأة العالمي. وقتذاك، أي في العام 1856، خرجت آلاف النساء الأميركيات الى الشوارع احتجاجاً على ظروف عملهنّ القاهرة، فتدخلت القوى الأمنية بوحشية، مثلما يحصل حالياً في بلدان كثيرة، إلاّ أنّ تلك الاحتجاجات أثمرت وأجبرت السلطة السياسية على إدراج حقوق المرأة على جدول أعمالها.
وبعد أكثر من خمسين عاماً، وتحديداً في الثامن من آذار عام 1908، عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر في نيويورك، حاملات الخبز اليابس والورود، للمطالبة بتخفيض ساعات العمل والحدّ من عمالة الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع... وتشكلت الحركة النسائية في الولايات المتحدة الأميركية، وبدأ مشوار المطالبة بالحقوق السياسية.
أمّا في فرنسا، فغصّت الشوارع أيضاً بالحركات النضالية والاحتجاجية. فعُقد في الثامن من آذار عام 1945 المؤتمر الأوّل لـ»الاتحاد النسائي الديموقراطي العالمي» في باريس. وبعد سنوات نضال طويلة، تبنّت الأمم المتحدة مطالب النساء بإقرار يوم دولي لهنّ، مُصدرةً بياناً دعت فيه دول العالم للاحتفال بيوم المرأة العالمي عام 1977. وتحوَّل هذا التاريخ رمزاً لنضال المرأة، تخرج فيه نساء العالم في تظاهرات للمطالبة بحقوقهن.
ماذا عن لبنان؟
لم يكن نضال المرأة اللبنانية خالياً من العقبات، بل خاضت الحركة النسائية اللبنانية تحديات جمّة وحققت انجازات اجتماعية وقانونية وسياسية واقتصادية. ولطالما شكلت المرأة للبنانية المثل والمثال لنساء العالم العربي قبلَ تخبُّط وطن الأرز في متاهات الحرب الأهلية الدامية التي أرجعت مجتمعه بما فيه النساء أميالاً الى الوراء.
لجان تاريخية
ففي عام 1949 أنشأت مجموعة من الرائدات لجاناً نسائية ونظّمت النشاطات والاتصالات «لتنزيه» التشريع اللبناني من النصوص المجحفة في حقهنّ. وبدأت السعي الى تكريس الحقوق السياسية، فانتزعت حق التصويت الانتخابي عام 1952، والمساواة بين الجنسين لناحية الارث عام 1959 (وإن كان قد اقتصر هذا القانون على الطوائف غير المحمدية).
ومُنحت النساء حرية التنقل من دون إجازة الزوج عام 1974، وَوُحّدت سنّ نهاية الخدمة للرجال والنساء في قانون الضمان الاجتماعي عام 1987. وأُلزم المشرّع بالاعتراف بأهليّة النساء للشهادة في السجل العقاري عام 1993، وبأهليتهن كنساء متزوجات في ممارسة التجارة من دون اجازة الزوج عام 1994.
وفي العام ذاته، أعطيت موظفة السلك الدبلوماسي التي تتزوج من أجنبي الحق في متابعة ممارسة مهماتها، وحذف ما ينال من أهلية المرأة في ما يتعلق بعقد التأمين على الحياة سنة 1995. وفي عام 1996، وقّع لبنان اتفاق القضاء على كل أشكال التمييز ضدّ المرأة ولكن مع بعض التحفظات.
لم تتوقف حركة النضال لإقرار أو لالغاء أو لتعديل النصوص القانونية، فأُلغيت جريمة الشرف ووُسعت صلاحيات القاضي لناحية رفع سنّ الحضانة لدى المحاكم السنّية والجعفرية. وأُزيل التمييز بين الموظفة والأجيرة لجهة الاستفادة من إجازة الأمومة، وأُقرت المساواة بين الذكور والنساء لناحية التخفيض الضريبي والتنزيل الاضافي عند احتساب رسوم الانتقال المتوجبة على الوريث، وأُقر قانون معاقبة جريمة الاتجار بالبشر لحماية الانسان عموماً والنساء خصوصاً.
وعلى رغم ذلك، لا تزال أدراج مجلس النواب مليئة بالمشاريع لسدّ الثغرات القانونية وتعزيز المساواة الكاملة، كتعديل بعض المواد من قانون العقوبات المرتبطة بأحكام الزنى والاغتصاب وجرائم الخطف والحض على الفجور واستخدام القصر وحمايتهن من إرتياد الاماكن العامة.
كذلك، تحتاج بعض مواد قانون العمل والضمان الاجتماعي الى تعديلات، سواء في ما يتعلق باجازة الأمومة لكي تصبح عشرة أسابيع بدلاً من ستين يوماً وبنظام التقاعد والحماية الاجتماعية والتعويضات العائلية.
قانون اختياري
ولعلّ المشروع الأكثر إلحاحاً للإقرار هو مشروع حماية النساء من العنف الأسري بغية حماية العائلة اللبنانية في ظل غياب الحماية القانونية الفعالة للمرأة ولأولادها. وحماية العائلة اللبنانية، يقضي أيضاً إقرار قانون اختياري للأحوال الشخصية لحماية فئة من اللبنانيين في ما يرتبط بعقود زواجهم، والآثار المنبثقة عنها، وتطبيق القانون اللبناني عليهم بدلاً من اختيارهم لقوانين دول أخرى عملاً بمبدأ سيادة الدولة اللبنانية في مجال التشريع.
ويبقى حق المرأة المتزوجة من غير لبناني في منح جنسيتها لزوجها وأولادها موضوع جدل. ويتذرع المعارضون لهذا الحق الوطني للمرأة اللبنانية بحجج مرتبطة بحماية التوازن الديموغرافي الطائفي وحماية المصلحة العليا للدولة اللبنانية.
وأخيراً وليس آخراً، تبقى المشاركة السياسية للمرأة اللبنانية ومنحها الكوتا لناحية الترشح أو الانتخاب ضرورة ملحة وإن كان لمرحلة موقتة. علماً أن المرّة الأولى التي ذكرت فيها المرأة في البيان الوزاري لحكومة لبنانية قد جاء متأخراً جداً أي في عام 2005، حيث تعهدت الحكومة التركيز على قضايا المرأة كشريك أساسي وفاعل في الحياة العامة عبر استحضار المناخ القانوني المواتي لتعزيز دورها في مختلف القطاعات، وتحضير ما يؤسس لدمج مفهوم الـGendre في كل السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية.
خطة شاملة
إن هذا العرض العام لبعض القوانين التي تتناول وضع المرأة في لبنان وما أنجز من تعديل وتطوير يجب أن يتبعه عمل من نوع آخر، بهدف تمكينها وتعزيز ثقافتها ووعيها بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ولا شكّ في أن التعاطي مع قضايا المرأة وتمكينها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وتعزيز المساواة بين الجنسين، يفرض إجراءات جذرية تتعدى إقامة نشاط محدود والتقاط الصور بعد إنتهائه للذكرى أو إجراء مؤتمر وتنديد من هنا وبرنامج تلفزيوني وصدمة موقتة من هناك.
فالحماية الأسمى للمرأة والعائلة، تقضي بوضع خطة شاملة لبناء المجتمع والوطن، بعيداً من القيود الطائفية والأفكار الذكورية البالية، وذلك لكي يتثبت العمود الفقري في المجتمع اللبناني وتتوحد دعائمه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية استنادا الى ركيزتين هما المرأة والرجل.
الثامن من آذار هو يوم المرأة العالمي. وقتذاك، أي في العام 1856، خرجت آلاف النساء الأميركيات الى الشوارع احتجاجاً على ظروف عملهنّ القاهرة، فتدخلت القوى الأمنية بوحشية، مثلما يحصل حالياً في بلدان كثيرة، إلاّ أنّ تلك الاحتجاجات أثمرت وأجبرت السلطة السياسية على إدراج حقوق المرأة على جدول أعمالها.
وبعد أكثر من خمسين عاماً، وتحديداً في الثامن من آذار عام 1908، عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر في نيويورك، حاملات الخبز اليابس والورود، للمطالبة بتخفيض ساعات العمل والحدّ من عمالة الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع... وتشكلت الحركة النسائية في الولايات المتحدة الأميركية، وبدأ مشوار المطالبة بالحقوق السياسية.
أمّا في فرنسا، فغصّت الشوارع أيضاً بالحركات النضالية والاحتجاجية. فعُقد في الثامن من آذار عام 1945 المؤتمر الأوّل لـ»الاتحاد النسائي الديموقراطي العالمي» في باريس. وبعد سنوات نضال طويلة، تبنّت الأمم المتحدة مطالب النساء بإقرار يوم دولي لهنّ، مُصدرةً بياناً دعت فيه دول العالم للاحتفال بيوم المرأة العالمي عام 1977. وتحوَّل هذا التاريخ رمزاً لنضال المرأة، تخرج فيه نساء العالم في تظاهرات للمطالبة بحقوقهن.
ماذا عن لبنان؟
لم يكن نضال المرأة اللبنانية خالياً من العقبات، بل خاضت الحركة النسائية اللبنانية تحديات جمّة وحققت انجازات اجتماعية وقانونية وسياسية واقتصادية. ولطالما شكلت المرأة للبنانية المثل والمثال لنساء العالم العربي قبلَ تخبُّط وطن الأرز في متاهات الحرب الأهلية الدامية التي أرجعت مجتمعه بما فيه النساء أميالاً الى الوراء.
لجان تاريخية
ففي عام 1949 أنشأت مجموعة من الرائدات لجاناً نسائية ونظّمت النشاطات والاتصالات «لتنزيه» التشريع اللبناني من النصوص المجحفة في حقهنّ. وبدأت السعي الى تكريس الحقوق السياسية، فانتزعت حق التصويت الانتخابي عام 1952، والمساواة بين الجنسين لناحية الارث عام 1959 (وإن كان قد اقتصر هذا القانون على الطوائف غير المحمدية).
ومُنحت النساء حرية التنقل من دون إجازة الزوج عام 1974، وَوُحّدت سنّ نهاية الخدمة للرجال والنساء في قانون الضمان الاجتماعي عام 1987. وأُلزم المشرّع بالاعتراف بأهليّة النساء للشهادة في السجل العقاري عام 1993، وبأهليتهن كنساء متزوجات في ممارسة التجارة من دون اجازة الزوج عام 1994.
وفي العام ذاته، أعطيت موظفة السلك الدبلوماسي التي تتزوج من أجنبي الحق في متابعة ممارسة مهماتها، وحذف ما ينال من أهلية المرأة في ما يتعلق بعقد التأمين على الحياة سنة 1995. وفي عام 1996، وقّع لبنان اتفاق القضاء على كل أشكال التمييز ضدّ المرأة ولكن مع بعض التحفظات.
لم تتوقف حركة النضال لإقرار أو لالغاء أو لتعديل النصوص القانونية، فأُلغيت جريمة الشرف ووُسعت صلاحيات القاضي لناحية رفع سنّ الحضانة لدى المحاكم السنّية والجعفرية. وأُزيل التمييز بين الموظفة والأجيرة لجهة الاستفادة من إجازة الأمومة، وأُقرت المساواة بين الذكور والنساء لناحية التخفيض الضريبي والتنزيل الاضافي عند احتساب رسوم الانتقال المتوجبة على الوريث، وأُقر قانون معاقبة جريمة الاتجار بالبشر لحماية الانسان عموماً والنساء خصوصاً.
وعلى رغم ذلك، لا تزال أدراج مجلس النواب مليئة بالمشاريع لسدّ الثغرات القانونية وتعزيز المساواة الكاملة، كتعديل بعض المواد من قانون العقوبات المرتبطة بأحكام الزنى والاغتصاب وجرائم الخطف والحض على الفجور واستخدام القصر وحمايتهن من إرتياد الاماكن العامة.
كذلك، تحتاج بعض مواد قانون العمل والضمان الاجتماعي الى تعديلات، سواء في ما يتعلق باجازة الأمومة لكي تصبح عشرة أسابيع بدلاً من ستين يوماً وبنظام التقاعد والحماية الاجتماعية والتعويضات العائلية.
قانون اختياري
ولعلّ المشروع الأكثر إلحاحاً للإقرار هو مشروع حماية النساء من العنف الأسري بغية حماية العائلة اللبنانية في ظل غياب الحماية القانونية الفعالة للمرأة ولأولادها. وحماية العائلة اللبنانية، يقضي أيضاً إقرار قانون اختياري للأحوال الشخصية لحماية فئة من اللبنانيين في ما يرتبط بعقود زواجهم، والآثار المنبثقة عنها، وتطبيق القانون اللبناني عليهم بدلاً من اختيارهم لقوانين دول أخرى عملاً بمبدأ سيادة الدولة اللبنانية في مجال التشريع.
ويبقى حق المرأة المتزوجة من غير لبناني في منح جنسيتها لزوجها وأولادها موضوع جدل. ويتذرع المعارضون لهذا الحق الوطني للمرأة اللبنانية بحجج مرتبطة بحماية التوازن الديموغرافي الطائفي وحماية المصلحة العليا للدولة اللبنانية.
وأخيراً وليس آخراً، تبقى المشاركة السياسية للمرأة اللبنانية ومنحها الكوتا لناحية الترشح أو الانتخاب ضرورة ملحة وإن كان لمرحلة موقتة. علماً أن المرّة الأولى التي ذكرت فيها المرأة في البيان الوزاري لحكومة لبنانية قد جاء متأخراً جداً أي في عام 2005، حيث تعهدت الحكومة التركيز على قضايا المرأة كشريك أساسي وفاعل في الحياة العامة عبر استحضار المناخ القانوني المواتي لتعزيز دورها في مختلف القطاعات، وتحضير ما يؤسس لدمج مفهوم الـGendre في كل السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية.
خطة شاملة
إن هذا العرض العام لبعض القوانين التي تتناول وضع المرأة في لبنان وما أنجز من تعديل وتطوير يجب أن يتبعه عمل من نوع آخر، بهدف تمكينها وتعزيز ثقافتها ووعيها بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ولا شكّ في أن التعاطي مع قضايا المرأة وتمكينها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وتعزيز المساواة بين الجنسين، يفرض إجراءات جذرية تتعدى إقامة نشاط محدود والتقاط الصور بعد إنتهائه للذكرى أو إجراء مؤتمر وتنديد من هنا وبرنامج تلفزيوني وصدمة موقتة من هناك.
فالحماية الأسمى للمرأة والعائلة، تقضي بوضع خطة شاملة لبناء المجتمع والوطن، بعيداً من القيود الطائفية والأفكار الذكورية البالية، وذلك لكي يتثبت العمود الفقري في المجتمع اللبناني وتتوحد دعائمه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية استنادا الى ركيزتين هما المرأة والرجل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق