السبت 05 غشت 2017 - 22:00
طقسٌ فريدٌ في أعراس قبائل جنوبية، كأيت عطا، يسمى "أسركض" أو "أسركط"، بحسب النطق، وهناك من يسميه "أزنزي". تختلف التمسيات، إلا أن هذه الفقرة في أعراس هذه القبائل تنجح في خلق الفرجة والمتعة لدى المدعوين، لا سيما الأقارب وأهل العروسين.
و"أسركض" فقرة من ساعتين تقريبا أو أكثر، تكون في اليوم الثاني من العرس وتتكرر في اليوم الثالث أيضا عند الذين حافظوا على نظام الثلاثة أيام، يختار لها الأقرباء في الغالب قبل الزوال للتجمع في الخيمة أو المكان الذي توجد فيه العروس.
قديما كانت أعراس هذه القبائل المنتشرة بكل من زاكورة وورزازات وتنغير والراشيدية وأزيلال، تدوم ثلاثة أيام كاملة؛ إلا أنه في السنوات الأخيرة، هناك من تخلى عن هذه العادات، وظهر من يقتصر على يومين فقط اختزالا للتكاليف، وقلة قليلة تكتفي بيوم واحد.
خيمة صوفية
يبدأ هذا الطقس بعد أن يتجمع المدعوون في "الخيمة الصوفية" قديما، أو في مكان آخر من بيت أهل العريس. بعد أن استقرت هذه القبائل في "إغرمان"، وتخلت عن الانتجاع، كما تخلت على اعتماد الخيمة الصوفية السوداء كأحد شروط الأعراس، إذ إن هذه الخيمة بقيت لسنوات ضرورة ملحة، يتم تنصيبها خارج المنزل، وفيها تقيم العروس وأسرتها طيلة أيام العرس، كما يتم تنصيب القياطن في المدن الكبرى..
ومع مرور الأعوام، تخلى الناس عنها، واكتفوا بتنظيم أعراسهم داخل منازلهم، وقليل من الناس من يصر على الحفاظ على هذه الخيمة السوداء الصوفية التي تتم استعارتها من الرحل الذين لا يزالون يجوبون المنتجعات بحثا عن كلإ لبهائمهم.
أسركض
يتجمع المدعوون من الذكور والإناث في الغرفة أو الخيمة التي توجد فيها العروس وأهلها، وأغلب الذين يحضرون هذا الطقس الاحتفالي يكونون من المقربين من عائلة الزوجين. يبدأ الذكور الذين يحفظون مقاطع أسركض بترديدها وأغلبهم من محترفي الضرب على الدفوف، مقاطع فيها ذكر للنبي وأمنيات للعروس بالسعادة مع زوجها وصلاح الذرية وحسن المآب. ثم بعد ذلك ينطلقون إلى وصف أم العروس بأوصاف ساخرة، وأحيانا "قدحية"، بأنها "حْرَابَالّا" أي جشعة، ويتمنون لها في لحن غنائي لو حضرت إحدى المعارك القديمة كي تصيبها قذيفة وتلتصق كل أشلائها بقمم الجبال!
يصفون رأسها وأرجلها بأقبح النعوت الساخرة، وهم ينتظرون أن تعطيهم بعض اللوز والجوز، وإلا سيتمادون في هجائها إلى أن تغدق عليهم الهدايا وهي في الغالب حبات لوز.
اللوز مقابل المدح
"ليس الهدف هو حصولنا على لوز أو جوز، وإنما هذا تقليد قديم ورثناه عن الأجداد، نريد منه خلق جو من الألفة بين الناس؛ فأهل العريس وأهل العروس لا يعرفون بعضهم بعضا، وأسركض يسهم في كسر بعض الحواجز، فينتشر الفرح بين الأفراد، ويبتسم الجميع، بمن فيهم أمهات العروسين، ونحن نصفهما بهذه الأوصاف"، يقول شاب من هواة أحيدوس لهسبريس، وهو يوضح الهدف من هذا الطقس بحسب فهمه. ثم يردف: "الأوصاف التي نطلقها هي نفسها منذ القدم، ونقولها في هذا العرس وذاك، نغنيها هذه السنة والسنة المقبلة، لذلك لا تغضب الأمهات من هذا، بل بالعكس، يبتسمن ويضحكن كثيرا كلما سمعن وصفا فيه سخرية كبيرة منهن، ولا يغضبن، وكلما كان أسركض طويلا ونجح في خلق الفرجة كلما أغدقت عليها أم العروس وأم العروس اللوز".
ما إن يحصل المغنون على حبات لوز وجوز وغيرها، حتى يكفوا عن السخرية وينطلقوا في إنشاد المقاطع التي تصف الحياة المستقبلية للزوجين، وهم يغيرون اللحن كل مرة، تفاديا للملل، وخلقا للمزيد من المتعة والفرجة.
قد يكون القدماء اختلقوا هذا الطقس الفريد في أعراسهم وجعلوه في اليوم الثاني مباشرة بعد ليلة الدخلة، لخلق جو فرجوي، وكسر بعض الحواجز بين الأهل، لا سيما أن الزوجين يحضران هذه الفقرة كمتفرجين فقط، ويسمعان كلمات الأهازيج البدوية والدفوف تضرب، فيستمتعان بذلك.
بالرغم من ارتفاع تكاليف الأعراس بسبب طول مدة الاحتفالات، وإقدام مداشر إلى خلق اتفاقيات شفهية على تخفيض مدة الاحتفال إلى يومين فقط، وتخلي البعض على العادات القبلية القديمة في الاحتفال بالزيجات، وتلاقح الثقافات من خلال اعتماد المجموعات الموسيقية العصرية في بعض الأعراس في الجنوب الشرقي؛ إلا أن هناك أسرا عديدة لا تزال تصر على أن تحافظ على عادات عمرت لقرون، في الاحتفاء بعقد قران الأبناء والبنات، والاحتفاظ بهذا الموروث الثقافي الذي يواجه باستماتة رياح الثقافات الأخرى التي تريد أن تخرجه من موطنه الأصلي لتحل محله المجموعات الموسيقية الصاخبة، والآلات العصرية والأغاني الراقصة والشعبية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق