عمان - " وكالة أخبار المرأة "
تمتلك ثائرة عربيات الخبرة وأسرار الصنعة في تزيين الأوشحة التقليدية في الأردن. وقررت نقل مهاراتها وتمرير خبرتها لنساء أخريات بهدف مساعدتهن على تحقيق الاستقلال المادي والاعتماد على أنفسهن دون الحاجة لأحد، لاسيما في ظل الظروف القاسية التي فرضتها قيود الحد من انتشار جائحة فايروس كورونا.
وتجلس النساء معا في منزل قديم تفوح منه رائحة التاريخ بطرازه التراثي في مدينة السلط مركز محافظة البلقاء.
وتتابع النساء بعناية وتركيز شديدين الخطوات والتعليمات التي تشرحها ثائرة حول طريقة تدبيج الأوشحة التي تعرف في الأردن باسم “الشماغ”.
ويدعى الشماغ العربي في عدة دول في شمال الجزيرة العربية بالكوفية أو الحطّة (في فلسطين)، بينما يسمى الشماغ في منطقة الجزيرة العربية والأردن والعراق، والغترة في الإمارات واليمن والكويت والبحرين وقطر.
والشماغ يتكون من قطعة قماشية تصنع في العادة من القطن أو الكتان مزخرفة بالعديد من الألوان أشهرها الأحمر والأبيض أو الأسود والأبيض، وهي مربعة الشكل ويتم ثنيها على شكل مثلث وتوضع على الرأس وأحيانا على الكتف.
وبدأت قصة ثائرة مع الأوشحة التقليدية بانبهارها حين شاهدت حماتها ذات يوم وهي تزين حواف الأوشحة لأبنائها وإخوتها وأحفادها. وتابعت الكنة حماتها بإعجاب شديد وهي تمارس الحرفة التقليدية المعروفة في الأردن باسم “الهدب”.
وعند تمكنها من أسرار الصناعة حد الإتقان قررت ثائرة تعليم النساء الأخريات في الأردن على أمل تمكينهن من تلبية احتياجاتهن في الحياة.
وركزت ثائرة مشروعها على تعليم النساء فنون “الهدب” حتى يضفين على الأوشحة التقليدية جمالا ويطبعنها ببصمة خاصة.
وتعني عملية “الهدب” في اللغة العربية تزيين حواف الأوشحة يدويا بخيط قطني أبيض. وتساهم هذه الزخارف في رفع سعر الوشاح التقليدي.
وقالت ثائرة “وجدت صنفين من الفتيات بعضهن نجحن في تحصيل الشهائد الجامعية لكن فشلن في العثور على عمل، والبعض الآخر وهي فئة ممن تتراوح أعمارهن بين 18 و19 عاما لم يحالفهن الحظ في تجاوز التوجيه في الثانوية العامة وتسرّبن من مقاعد الدراسة، وكلا الصنفين تدرب على يدي وحصل على فرصة لبعث مشاريع خاصة من البيت”.
وتبيع ثائرة الوشاح المزخرف بسعر يتراوح بين 25 و40 دينارا أردنيا (ما يعادل 35 و57 دولارا)، بينما يُباع الوشاح العادي بدون عملية التزيين بحوالي 12 دينارا (نحو 17 دولارا).
وتعرض ثائرة منتجاتها للبيع إما في متجرها بمدينة السلط أو عبر الإنترنت. ويستغرق الأمر ما بين يومين إلى عشرة أيام لوضع اللمسات النهائية على وشاح واحد خضع لعملية التجميل والزخرفة.
وقام مشروع ثائرة الذي يحمل اسم “مهدبات الهدب” بتعليم 525 امرأة في 48 ورشة عمل بالمملكة.
وأكدت ثائرة أن 32 امرأة تتراوح أعمارهن بين 19 و45 عاما يعملن في تزيين الأوشحة لبيعها في إطار المشروع.
ومن بين هؤلاء النساء سهير حامد التي قالت إنها “بحثت بمجرد تخرجها من الجامعة عن فرصة عمل لكن دون جدوى”.
وأضافت حامد البالغة من العمر 38 عاما “وأثناء بحثي تعرفت على أم ناصر (ثائرة) التي تمكنت بفضل توجيهاتها من تعلم ‘الهدب’ وصرت منتجة معها، واكتشفت من خلال هذه التجربة الرائعة أن الهدب ليس مجرد قطعة قماش ومجموعة خيوط، وإنما المسألة تتجاوز ذلك إلى أنها تخفي في ثناياها قصة وتاريخ عبر مختلف مراحلها”.
أما أم صالح الرشيدي التي تعمل في تزيين الأشمغة فهي تؤكد أنها رغم معرفتها بالشماغات لكنها تجهل قبل تعرفها على أم ناصر أنه يمكن تسويقها وأنها يمكن أن تفتح أمامها مجالا للعمل.
وأشارت إلى أنها “كانت تعمل في هذه الصناعة في البيت بمساعدة إما بنات عمها أو أخواتها، لكنها لم تكن تعرف أن بإمكانها الاستفادة من ذلك بتسويق ما تصنعه يداها”، متابعة أنها ما إن تعرفت على ثائرة حتى أدركت أن هناك ورشات تدريبية تقام وتتعلم من خلالها الفتيات هذه الحرفة، وأن ما ينتجنه يعرض ويسوق ومنه ما يتم تصديره.
وأعربت ثائرة عن سعادتها بالمشروع وفخرها به، لافتة إلى أنها تعتزم مواصلة تعليم النساء لاستمرار الحرفة والحفاظ على الشماغ التقليدي.
وأوضحت أنها “تسعى جاهدة إلى حفظ هذه الحرفة والعمل على ضمان استمراريتها”، بالإضافة إلى حرصها على زرعها في جيل الشباب، وهذه أهدافها الأساسية من بعث هذا المشروع.
وأكدت أنها تقدم عصرة خبرتها للفتيات دون مقابل، فكل ما تصبو إليه يتمثل في حفظ الحرفة من الاندثار.
ويشار إلى أن الكوفية أو “الشماغ” كانت رمزا للرجولة والأناقة قديما، وخلال العصر العثماني تميز العامة بوضعها على أكتافهم وسكان الريف على رؤوسهم، بينما كان الأعيان يضعون الطربوش. أما الآن فأصبحت شهرتها عالمية لا عربية فقط فقد ارتداها كثير من الفنانين العرب والعالميين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق