رائدة العمل التطوعي الدكتورة مروة كريدية لـ " وكالة أخبار المرأة " التطوع يعزز قدرات المرأة ويوسع مجالات نشاطها ويفتح أفق رحب لعملها
مروة كريدية اسم بارز في المجالين الفكري والاعلامي حيث استطاعت تسخير خبرتها الطويلة في المجال الانساني العام، وخلال مسيرتها العملية تسلمت العديد من المناصب ذات الصلة بالقضايا الإنسانية واللاعنف وحقوق الانسان والمرأة ، حيث ترى أن العمل التطوعي تجربة فريدة تمنح المرء نضجا وخبرة روحية ونفسية وتجعل لحياته مغزى ومعنى . وكان لوكالة اخبار المرأة هذا اللقاء للوقوف على تجربتها في هذا الميدان .
* كيف ترين أهمية العمل الانساني والتطوعي بالنسبة للمرأة؟
- يرتكز العمل التطوعي على مفهوم العطاء بشكل اساسي؛ وفي عالم تتنامى فيه الاحتياجات المادية يجد الانسان نفسه وقد امسى تحت وطأة السعي الدائم لتأمين امور كانت تُعد حتى الامس القريب من الكماليات دون ان يستشعر ان هناك فئات مهمشة في المجتمعات عاجزة عن تأمين حتى الضروريات التي لا تستقيم الحياة الا بها .
العمل التطوعي والانساني يمنح الحياة بعدًا روحيَّا رائعًا كونه يترجم قيم الرحمة في ذات المتطوع وهو ما ينعكس رقيًّ في المجتمعات الانسانية فعندما يهب الانسان جزءا من وقته وخبرته ولا ينتظر بالتالي مقابل عندها يشعر بسعادة حقيقية كونه فرح لفرح الآخرين ، وتعد المرأة محور العمل الانساني كونها تتميز ببنية نفسية شفافة قادرة على ترجمة أمومتها المكنونة داخلها الى نشاط عملي يساعد الاخرين على اجتياز ازماتهم مما ينعكس عليها بشكل ايجابي كبير فتبدو اكثر اشراقا ونضجا وسعادة .
*هل من فوائد مباشرة تعود على المرأة شخصيًّا ؟
- الفوائد التي تجنيها المرأة اكثر من ان تحصر، اهمها استغلال الوقت بشكل ممتع، والشعور بالقيمة الذاتية والرضى الداخلي عن الانجاز، واكتساب الخبرة العملية، و هناك ميزة اضافية على صعيد التطوع في الاعمال الانسانية تحديدا وهي ان الاحتكاك المباشر بالفئات التي تحتاج لمساعدة مادية او معنوية من شأنه ان يجعل الانسان على رضى تام بوضعه المادي والمعنوي فيختفي التذمر والشكوى من حياته .
فالمرأة المتطوعة في مؤسسة لمساعدة المحتاجين على سبيل المثال ستشعر بالرضى عن حياتها المادية بدلا من تمضي وقتها في مقارنة نفسها بالاخريات في اطار التنافس على اقتناء الافضل .
كما ان المتطوع في مجال المساعدة الانسانية للمرضى ولذوي الاحتياجات الخاصة سيشعر بعمق نعمة الصحة واهمية تمام القدرة الجسدية التي يتحلى بها.
باختصار العمل التطوعي والانساني تجربة فريدة تمنح المرء نضجا وخبرة روحية ونفسية وتجعل لحياته مغزى ومعنى .
* كيف ينعكس العمل الانساني على المرأة ومحيطها المجتمعي ؟
- لا يمكن لمجتمع تسوده الأنانية ان يرقى حضاريا، لاننا اذا لم نقم جوهر الرحمة في انفسنا فلن نحقق مجتمعًا انسانيا راقيًا ومصير المجتمعات الاستهلاكية الى الزوال . لذلك فان مهمتنا الاكثر إلحاحًا تكون في تنمية الوعي والبصيرة الانسانية وارسال رسالة الى كل فرد في المجتمع مهما كان عمره وموقعه ان عليك واجبا تجاه اخوك الانسان ويكون ذلك عبر ترسيخ ثقافة المساعدة والعمل التطوعي وتعزيز سلوك العطاء بدءا من التربية الاسرية في البيت مرورا بالمناهج التربوية في المدارس والجامعات وصولا الى المؤسسات الاقتصادية والتجارية.
* كيف تقيمين العمل الانساني في المجتمعات العربية ؟
- لا زال العمل التطوعي والانساني في المجتمعات العربية مرتبط بمساعدة "المحتاج ماديا " ، غير ان العمل التطوعي اوسع من ذلك بكثير ومجالاته تستوعب كافة مناحي الحياة، فبالامكان التطوع لمساعدة كبار السن او تسليتهم ، كما يمكن التطوع في الانشطة التي تساعد على حماية البيئة كتنظيف الشواطئ وزراعة الاشجار ، كما يمكن التطوع في اعمال الاعلام والعلاقات العامة والترويج للسلوك النبيل عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، كما يمكن التطوع لمساندة اصحاب الازمات النفسية للتأقلم مع مجتمعاتهم ، فهناك فئات غير محدودة في المجتمع بحاجة للمساندة كمساعدة المساجين والمدمنين وغيرهم ودعم اسرهم وتأمين الفرص لهم لاعادة الاندماج في الحياة بشكل سوي .
اذن العمل التطوعي واجب انساني يرقى بالشعوب لتحقيق التكافل والتكامل بين كافة فئات المجتمع مما يعود بالفائدة على كل افراد المجتمع.
* ما هي أهم محطات العمل الإنساني في حياتك بوصفك نموذج للنساء اللواتي يقبلن على فعل الخير، وما مدى انعكاس ذلك إيجابيًّا عليك ؟
- تجربتي في العمل التطوعي الاولى بدأت وانا على مقاعد الدراسة الاعدادية في سن مبكرة في بيروت، حيث انضممت وصديقاتي من خلال ادارة المدرسة الى "الصليب الأحمر" وكانت الحرب الاهلية اللبنانية قد اشرفت على نهايتها وكان المجتمع اللبناني في اشد الحاجة لرفع المعاناة عن متضرري الحرب وما خلفته من آلام واضرار كالتهجر وفقدان الاقارب والاختفاء القسري .
وفي المرحلة الجامعية اخذ عملي التطوعي منحا اكاديميا وتدريبيا عبر مؤسسات تعني بإعادة السلم الاهلي، وذلك من خلال اعداد ورش عمل و متطوعين قادرون على حل النزاعات وكان الهدف الاساس تدريب الشباب في المجتمع اللبناني على قبول الآخر وترسيخ مفهوم التسامح و ابعاد الطائفية من سياق الحياة العامة .
وفيما بعد حرصت من خلال عملي الاعلامي على تبني استراتيجية انسانية فقد انتقلت الى مناطق النزاع والنكبات في العالم واطلعت عن قرب على معسكرات النزوح ووقفت على معاناة الانسان في دارفور ومناطق اخرى في العالم . و لم يكن لدي اي مطمح مادي و لم احقق مردود مالي، بل كان همي الاعلامي الاساس نقل معاناة اطفال ونساء لا يملكون حيلة ولا يوجد لديهم اي وسيلة اتصال مع العالم، ولا يوجد من يقوم بإيصال اصواتهم الى اخوتهم في الانسانية .
وخلال عملي في دبي كنت على ايمان بأن على الاعلام ان يقدم رسالة انسانية سامية بالدرجة الاولى ، لذلك فقد سعيت من خلال المناصب التي تقلدتها لإحداث شراكات حقيقية مع وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة لا تحكمها قواعد العرض والطلب المعمول بها في الاعلان ولا تتحكم فيها المادة و المال وحسب، بل عملت على ارساء قواعد تجعل هذه الوسائل شريكًا في العمل الانساني من خلال تحمل مسؤوليتها المجتمعية تجاه المجتمع والاسرة.
* تقيمين حاليًّا في الولايات المتحدة الأميركية ، ما هي مجالات العمل الإنساني التي تشاركين بها ؟
- بطبيعة الحال فإن أفق العمل في الولايات المتحدة أوسع بكثير من دول الشرق ، كما أن هامش الحرية واسع جدًّا علاوة على وجود مؤسسات تعني بالمساعدات الخارجية مما يمنح المرء خبرة دولية في هذا المجال، كما ان الخبرة التي يكتبسها تكون أكثر مصداقية وحرفية ومهنية ، إضافة الى أن المؤسسات تحظى باستقلالية كبيرة وحرية كبيرة في ممارسة النشاط الانساني ، فأبواب التطوع مشرعة على كافة حقول الحياة لمساعدة المجتمع ، بدءًا من التطوع في العمل البحثي والأكاديمي، مرورًا بالمؤسسات التي تعتني بالحفاظ على البيئة والمحميات الطبيعية، وصولا الى المؤسسات التي تعتني بالقضايا الانسانية المباشرة كالاهتمام بذوي الإحتياجات الخاصة وكبار السن وغيرها من فئات المجتمع التي تحتاج الى العون .
يذكر أن كثير من عائدات الشركات الكبرى وارباحها يذهب على شكل تبرعات ودعم لمشاريع انسانية للاستفادة من من تخفيضات الضريبية المفروضة عليها .
حاليًّا اشارك مع مجموعات تعني بأطفال التوحد، لا سيما وان كثير من الابحاث الجامعية تنكب لدراسة الأسباب وايجاد الطرق العلمية والعملية للحد من تزايد عدد الحالات التي شهدت نموا ملحوظا في الأعوام العشر الأخيرة .
*بحكم خبرتك الطويلة في ميدان الإعلام ، ما هي مسؤولية الإعلام تجاه دعم العمل الانساني من وجهة نظرك ؟
- وسائل الاعلام مسؤوليتها مزدوجة فهي معنية وقبل كل شيئ في ان توصل معاناة الناس المحتاجة الى أصحاب الشأن . كما على وسائل الاعلام مسؤولية تجاه المؤسسات الانسانية تتجسد في دعم رسالتها الاعلانية وتوجيه الدعاية للمانحين ودعم التطوع وحث فئات المجتمع على العطاء والمساعدة والتبرع.
* كان لك تعاون مع جمعيات انسانية عديدة في دبي كيف تشجعي السيدات على المساهمة في أنشطتها وما هي الانشطة التي - ممكن أن تدخل فيها المرأة المبتدئة بالمجال لا سيما في الامارات ؟
المجتمع الاماراتي حافل بالمؤسسات الانسانية العامة التي تستقطب المتطوعين لا سيما المؤسسات التي تعني بالمرأة من هذه المؤسسات على سبيل المثال للحصر ، مؤسسة الجليلة التي تقدم دعما منقطع النظير لأسر المرضى وذوي الاحتاجات الخاصة من المعوقين واضطراب طيف التوحد ، ايضا مؤسسة دبي لرعاية النساء والاطفال التي تقدم العون للمرأة التي تعرضت للعنف او الطلاق او غيره كما تساعد على رعاية الاطفال ونشر مفاهيم الحقوق المدنية ومعالجة اثار العنف الاسري، وهناك جمعيات نسائية وخيرية فاعلة تسعى لدعم كبار السن وفئات المجتمع المعسرة، ويمكن التطوع في اي من تلك المؤسسات عبر الاتصال الهاتفي المباشر اوعبر الموقع الالكتروني وملئ استمارة لتحديد الامكانيات والمجالات وطرق التعاون وآلية التدريب .
****
د. مروة كريدية – كاتبة واعلامية
الكاتبة مروة كريدية اسم بارز في المجالين الفكري والاعلامي حيث استطاعت تسخير خبرتها الاعلامية الطويلة في المجال الانساني العام، وخلال مسيرتها العملية تسلمت العديد من المناصب الثقافية والاعلامية. وهي من المهتمات بالقضايا الإنسانية واللاعنف وحقوق الانسان، حيث تطرح العلاقات في المجتمع من خلال رؤية وجودية تتجاوز الانقسامات .
درست العلوم الإنسانية وتخرّجت من الجامعة اللبنانية لتكمل دراساتها العليا في المجال نفسه ، وقد نالت الدكتوراه في علم اجتماع عن دراستها " رهانات السلام ازمات المنطق وآفاق الكون" وقد قدمت للمكتبة العربية العديد من المؤلفات الفكرية والكتب الادبية والابحاث الميدانية والحقوقية من اهمها "استراتيجيات الامل في عصر العنف " و " فكر على ورق " ، و" لوامع من بقايا الذاكرة "
شاركت في أعمال حوار الاديان واللاهوت المقارن في جامعة القديس يوسف اليسوعية في بيروت ثم استاذة في الحضارات لتعمل بعدها كرئيسة القسم الثقافي ثم المسؤولة الاعلامية في مركز جمعة الماجد. وقد اكتسبت خبرتها الاعلامية من عملها كمراسلة لوسائل الاعلام الدولية حيث كانت مسؤولة عن اعداد تقارير ميدانية وتغطيات مباشرة عن معسكرات النزوح في مناطق النزاع والحروب . عملت في القطاع الاعلامي، تقيم حاليًّا في الولايات المتحدة الأميركية وهي ناشطة في مؤسسات المجتمع المدني كما تعمل على اعداد الابحاث الاجتماعية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق