تنشئة المواطن الحر: نحو فلسفة للأطفال في تونس إيمان الرياحي

. . ليست هناك تعليقات:


تبدو عبارة «فلسفة الأطفال» مثيرة للانتباه، فما المقصود بها تحديدا؟ هل يمكن أن تكون الفلسفة التي تدرس عادة في السنوات النهائية من التعليم الثانوي وفي قسم البكالوريا على وجه الخصوص، مادة للأطفال؟
وما الهدف من إدراجها في البرامج التربوية للتعليم الأساسي؟
إن كان من نافل القول الحديث اليوم عن قيمة الفلسفة ودورها في بناء تفكير معرفي ونقدي قادر على المساءلة والتفكيك والتأسيس، فإنّ «الممارسات الفلسفية الجديدة» تعرف في واقعنا الراهن اهتماما متزايدا ونقاشا حول دورها وفاعليتها.
نقصد بهذه الممارسات مجموعة من الأنشطة الفكرية التي تخلّص التفلسف من طابعه النخبوي، ومن فعل التنظير المتعالي على الواقع، بل إنّها تعيد إليه بعده الشفوي المباشر والأصيل وترسّخ فيه جانبه العملي والفاعل في الفضاء العمومي. نذكر كمثال على ذلك «المقاهي الفلسفية» التي برزت منذ بداية التسعينيات، وفلسفة الأطفال التي ظهرت مع عالم المنطق الأمريكي المختص في البيداغوجيا ماتيو ليبمان في الستينيات من القرن الماضي، إذ لاحظ الفيلسوف أنّه يحتاج إلى تبسيط بعض الأفكار حتى يتيسر على طلبته فهمها واستنتج من ثمّة إمكانية تخليص الأفكار من بعدها التجريدي الصعب، وانتهى إلى أنّ تعلمها سيكون حتما أجدى عند الصغر، بل سيساهم هذا التعليم في تحقيق التكامل مع مواد أخرى وفي إثرائها.

حق الطفل في التفكير والتعبير

تطبق فلسفة الأطفال اليوم في مناطق عديدة في العالم منها أمريكا وكندا واليابان وأستراليا، وتعنى بهذه المسألة مؤسّسات مختصة مثل معهد النهوض بفلسفة الطفل، والمجلس الدولي من أجل الفلسفة مع الأطفال.
أمّا في العالم العربي فقد تفطّن بعض الأساتذة إلى قيمة هذا الاختصاص الجديد مثل، بيار مالك الذي ذكّر في كتابه «الفلسفة وتعليمها» أنّ حق الطفل في التفكير والتعبير يعدّ من أهمّ الحقوق المعلنة سنة 1989 ودعا إلى تأسيس فكر بيداغوجي يشجع على «خلق هذه المراكز في البلدان العربية والتأسيس لتعليم فلسفي للصّغار في هذه البلدان بأسرع وقت ممكن».
لا تقوم فلسفة الأطفال على عرض تاريخ الأفكار، ولا على تسمية الفلاسفة أو شرح نظريتهم لأنّها تنطلق بكل بساطة من إمكاناتهم ومن ملكاتهم الطبيعية وقدرتهم على طرح الاستفسارات، أي هي لا تنشغل بسرد المعلومات، بل بإضفاء القيمة على الأسئلة البريئة التي يطرحونها على نحو تلقائي.
إنّها على عفويتها مهمّة وحمّالة لمشكلات عميقة حول الإنسان أو حول العالم . فمن منّا لا يستحضر أنّه فكّر في صغره في معان وجودية ثاقبة حول صيرورة الحياة؟
ومن منّا لم يتساءل يوما حول حدود الكون، ولم يسأل ولو لمرّة واحدة عن طبيعة الروح أو الجسد. تلك الاستفسارات هي ذاتها نعود إليها لاحقا بتوجس مخصوص ونبذل جهدا في طرحها لمّا نكبر في سياق نتصوّر أنّه معقّد نسمّيه «تفلسفا». إنّ اندهاش الأطفال هو بوابة المخيال، وهو أيضا بداية الفضول الذي تراهن فلسفة الطفل على تثمينه وعلى شدّ الانتباه إليه كمحرّك للمعرفة ودافع للتفكير المنطقي وسبيل للدراية والعلم.. إنّ من أولى غاياتها خلق مجال حرّ للتفكير يسمح للصغار بالتعبير، فيمنحهم ثقة في أنفسهم بدلا عن الخجل والتردّد والارتباك. يساهم هذا الحس الفضولي والنقدي طبعا في تكوين شخصيات قويّة ومتوازنة من الناحية النفسية ومبدعة، على اعتبار أنّ الأسئلة تكون مولّدة أحيانا لتصورات مغايرة ولرؤى جديدة ممكنة.

الإيقاظ الفكري

وقد استرعى انتباهنا اقتراح مجموعة من أساتذة الفلسفة الأكفّاء في تونس إدراج «فلسفة الطفل» أو «الإيقاظ الفكري» في البرامج الرسميّة للتربية، وعمل فريق بحث متكامل وتحت إشراف تفقد بيداغوجي لدراسة المناهج الممكنة لتطبيق أهدافهم النظرية والعملية..
يراهن هذا المشروع – الذي نأمل أن يطبّق على نحو سريع – على استشراف فضاء تربوي سليم. إنّ ما يهمّنا في هذا السياق أنّ تربية الأطفال على الحوار ستضمن لاحقا قدرتهم على التبرير والإقناع في الفضاء المشترك، الذي يقتضي التعايش فيه فهم الاختلاف ومعالجة المشاكل على نحو متحضّر يضمن حسن إدارة الخلافات ومعالجتها، لاسيما أنّ الحضور المكثف للفضاء الافتراضي قد يجعل المراهقين وحديثي السن يتصورون أنّ الإنترنت هو الإطار الوحيد أو الأمثل للتواصل أو للتعبير عن المواقف أو تفنيدها… ويلعب الحضور المكثّف لوسائل الإعلام والدعاية وسيلة تأثير فاعلة فيهم. أمّا أن يتمرّس الصبيان وهم يلعبون على التأمّل والتفلسف، فذلك سيكون حتما «لقاح مناعة فكرية» يحصّن عقولهم ضدّ الأدلجة والهرسلة والجهل…

باحثة تونسية



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ابحث في موضوعات الوكالة

الدانة نيوز - احدث الاخبار

صفحة المقالات لابرز الكتاب

اخر اخبار الشبكة الاعلامية الرئيسية

إضافة سلايدر الاخبار بالصور الجانبية

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة

اعشاب تمنحك صحة قوية ورائعة
تعرف على 12 نوع من الاعشاب توفر لك حياة صحية جميلة سعيدة

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها

تغطية شاملة ويومية للكارثة اللبنانية وتطوراتها
كارثة افجار مرفأ يروت - غموض وفوضى سياسية - وضحايا - ومتهمين وشعب حزين

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي

الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي
الملف الشامل للاتفاق الاسرائيلي الاماراتي البحريتي .. والتطورات المتعلقة به يوما بيوم

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

اليساريون - الجزء الأول - الجذور

الاكثر قراءة

تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

-----تابعونا النشرة الاخبارية على الفيسبوك

الاخبار الرئيسية المتحركة

حكيم الاعلام الجديد

https://www.flickr.com/photos/125909665@N04/ 
حكيم الاعلام الجديد

اعلن معنا



تابعنا على الفيسبوك

------------- - - يسعدنا اعجابكم بصفحتنا يشرفنا متابعتكم لنا

جريدة الارادة


أتصل بنا

الاسم

بريد إلكتروني *

رسالة *

الارشيف

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام

شرفونا بزيارتكم لصفحتنا على الانستغرام
الانستغرام

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة

نيو سيرفيس سنتر متخصصون في الاعلام والعلاقات العامة
مؤسستنا الرائدة في عالم الخدمات الاعلامية والعلاقات العامة ةالتمويل ودراسات الجدوى ةتقييم المشاريع

خدمات نيو سيرفيس

خدمات رائدة تقدمها مؤسسة نيو سيرفيس سنتر ---
مؤسسة نيوسيرفيس سنتر ترحب بكم 

خدماتنا ** خدماتنا ** خدماتنا 

اولا : تمويل المشاريع الكبرى في جميع الدول العربية والعالم 

ثانيا : تسويق وترويج واشهار شركاتكم ومؤسساتكم واعمالكم 

ثالثا : تقديم خدمة العلاقات العامة والاعلام للمؤسسات والافراد

رابعا : تقديم خدمة دراسات الجدوى من خلال التعاون مع مؤسسات صديقة

خامسا : تنظيم الحملات الاعلانية 

سادسا: توفير الخبرات من الموظفين في مختلف المجالات 

نرحب بكم اجمل ترحيب 
الاتصال واتس اب / ماسنجر / فايبر : هاتف 94003878 - 965
 
او الاتصال على البريد الالكتروني 
danaegenvy9090@gmail.com
 
اضغط هنا لمزيد من المعلومات 

اعلن معنا

اعلان سيارات

اعلن معنا

اعلن معنا
معنا تصل لجمهورك
?max-results=7"> سلايدر الصور والاخبار الرئيسي
');
" });

سلايدر الصور الرئيسي

المقالات الشائعة

السلايدر المتحرك الرئيسي مهم دا

حقوق الطبع والنشر محفوظة لمؤسسة نيوسيرفيس سنتر للاعلام والعلاقات العامة . يتم التشغيل بواسطة Blogger.